أشهر ساحة في أوروبا … ملتقى المهاجرين ومزوري وثائق السفر
تعتبر اليونان محطة مؤقتة للاجئين قبل متابعة رحلتهم إلى دول غربي وشمالي أوروبا وخاصة ألمانيا والسويد وبريطانيا. لكن مغادرة هذه المحطة المؤقتة ليست سهلة ويستغرق الأمر أحيانا شهورا عديدة، وهناك من يفقد الأمل بالمغادرة ويبقى في اليونان، بعد فشل محاولات المغادرة بجوازات سفر وبطاقات هوية مزورة يتكفل المهربون بتأمينها مع بطاقة الطائرة، مقابل مبلغ مالي محدد. ولمعرفة تفاصيل ذلك وكيف يمكن الحصول على تلك الوثائق، توجهت إلى “أومونيا” حيث إحدى أشهر ساحات العاصمة اليونانية أثينا.
ساحة “أومونيا” تقع في منطقة تجارية تنبض بالحياة، أصبحت نقطة جذب للمهاجرين واللاجئين من مختلف دول العالم. قبل التوجه إلى الساحة، نبهني زملاء يونانيون ومهاجرون يقيمون في اليونان إلى ضرورة الحذر هناك، فتوجب علي إخفاء صفتي كصحفي من خارج اليونان لدى الحديث مع الناس هناك.
توجهت إلى الساحة مساء، وتجولت فيها حيث رأيت مهاجرين وهم يتحدثون بلغات مختلفة. تقدمت من ثلاثة شبان كانوا يتحدثون العربية، قالوا إنهم عراقيون وصلوا قبل أكثر من عام وقدموا طلبات لجوء في اليونان، ولكن لم يُبت فيها بعد. أحدهم قال إنه سيبقى هنا لأنه لا يستطيع أن يترك والده المريض وراءه ويذهب إلى دولة أخرى. سألتهم كيف يمكن مغادرة اليونان وهل هناك فعلا من يزورون وثائق سفر؟ أجاب أصغرهم وهو في بداية العشرينات من العمر، بنعم وأنه حاول عدة مرات ولكنه فشل حيث اكتشف أمره وقبضت الشرطة عليه في المطار قبل الصعود إلى الطائرة.
قال إن الأمر سهل إذا كان لديك المبلغ المطلوب، إذ يمكن الحصول على جواز سفر أوروبي وبطاقة هوية شخصية أيضا مع تذكرة الطائرة مقابل 3 آلاف إلى 3500 يورو والآن يكلف الأمر أكثر من ذلك “إذا كنت تريد للمهرب أن يضمن وصولك إلى البلد الذي تريده، بعد وضع المبلغ المتفق عليه لدى شخص ثالث يضمن الطرفين!” حيث هناك مكاتب يمكن إيداع المبلغ عندها. وإذا لم يكن لديك هذا المبلغ يمكن أن تحصل على الوثائق بأقل من ألف يورو، لكن بدون تذكرة الطائرة وبدون كفالة “حيث عليك الدفع مسبقا، وإذا تم القبض عليك في المطار لن تستعيد ما دفعته للمهرب الذي يؤمن لك الوثيقة”.
لا تثق بالمهربين!
ونتيجة خبرته ومحاولاته الفاشلة، اقترح علي محاولة الحصول على جواز سفر لاجئ وليس جواز سفر أوروبي “لأنهم في المطارات الأوروبية لدى الشك يدققون في مسألة اللغة، وإذا لم تكن تتقن لغة دولة الجواز ستنكشف ويقبضوا عليك”. ولدى سؤاله عن كيفية كشفه كل مرة رغم أن الجواز أو الهوية تبدو أصلية؟ أجاب بأنهم في المطار “يدققون كثيرا على الشباب في عمري، لكن النساء والرجال من هم في عمرك لا يدققون عليهم كثيرا” فبدا لي وكأنه يحسدني على الشيب الذي غزا رأسي، وهو يشجعني على المغادرة وعدم البقاء في اليونان والمغامرة حتى بجواز سفر رخيص بدون كفالة. وعرض علي المساعدة للوصول إلى أحد المهربين، قائلا “إذا كنت تحتاج إلى مساعدة أو تفاصيل ومعلومات نحن نتردد إلى هنا مساء عادة ويمكن أن نلتقي مرة أخرى” وختم حديثه ناصحا ومحذرا “لا تثق بالمهربين ولا تدفع لهم سلفا، ولا تذهب معهم أو مع أحد آخر إليهم ومعك نقود، لا تضع في جيبك أكثر من 10 إلى 20 يورو، لأنهم يمكن أن يعتدوا عليك ويسلبوك ما معك”. فودعته شاكرا وهو يتمنى لي التوفيق والنجاح.
توجهت إلى الجهة الأخرى من الساحة، بحثا عن آخرين يمكن أن أتحدث معهم وأسالهم عن الموضوع. صادفت شابا سوريا من إدلب في منتصف العشرينات، وصل إلى هنا منذ نحو ثمانية أشهر. سألته إن كان قد تقدم بطلب لجوء، قال بأنه اضطر إلى ذلك لأنه فشل في السفر إلى بلد آخر في غربي أوروبا، واستطر قائلا “حاولت ثلاث مرات الخروج بوثائق سفر إيطالية مزورة، لكن كان يتم كشفي والقبض علي في المطار لعدة ساعات وفي إحدى المرات بت ليلة في السجن”. لما سألته عن تفاصيل كيفية الحصول على جواز سفر أو بطاقة شخصية، كرر لي نفس المعلومات التي ذكرها الشاب العراقي. وفيما إذا كان يمكن لي أن أجد مهربا هنا في الساحة، ضحك وقال “لا، طبعا لن تجده هنا. الأمر لم يعد كالسابق، إنهم لا يتواجدون هنا في الساحة. عليك أن تذهب إلى أحد مقاهي “آخرنون” لتجد أحدهم، وعلى الأغلب ليس المهرب مزور الوثائق نفسه وإنما وسيطا بينك وبينه”. وأسدى لي نفس النصيحة بعدم الثقة بالمهرب وعدم دفع المبلغ له سلفا وإنما إيداعه في أحد المكاتب المعروفة التي تعمل على تحويل وتبديل العملة. كما حذرني من الذهاب إلى “آخرونون” في المساء أو بمفردي، لأنني يمكن أن أتعرض للسرقة والاعتداء كما حصل لشاب سوري قبل عدة أيام حين هاجمه ثلاثة أشخاص فاعتدوا عليه وسلبوه حوالي 300 يورو وهاتفه الجوال مهددينه بسكين.
لن تصل إلى “المعلم” والكلفة ازدادت!
غادرت ساحة “أومونيا” متابعا تجوالي في مدينة أثنيا. وصلت إلى ساحة “موناستيراكي” أمام إحدى محطات المترو في المدينة القديمة أسفل آثار أكروبوليس، تجولت في الساحة ملتقطا بعض الصور. سمعت شابين يتكلمان بالعربية، أحدهما كان في منتصف العشرينات والآخر شاب يافع لا يتجاوز العشرين أو ربما ما دون ذلك، قال إنه من حلب، وانفرجت أساريره حين عرف أنني ابن مدينته. تحدثت معهما عن اللجوء في اليونان وإمكانية السفر إلى دولة أوروبية أخرى. الأول قال إنه لم يحاول لعدم امتلاكه المال الكافي، فقدم طلبا للجوء في اليونان وسيبقى هنا حتى يحصل على الإقامة وجواز سفر لاجئ، بعدها يمكن أن يسافر إلى دولة أوروبية أخرى.
الشاب اليافع قال إنه وصل إلى اليونان في الصيف الماضي وأنه اضطر لتقديم اللجوء هنا بعد فشل ثماني محاولات للمغادرة بجوازات سفر وبطاقات شخصية أوروبية مختلفة. هو أيضا أكد بأن هناك مهربين يؤمنون جوازات سفر ولكنها غالية جدا الآن، إذ يتراوح السعر بين 3500 و7 آلاف يورو، “حسب شطارتك وقدرتك على مساومة المهرب”.
مثل سابقيه حذّرني بدوره من دفع أي مبلغ للمهرب، وإنما “يجب وضعه لدى طرف ثالث مضمون والدفع بعد نجاح المحاولة”. والضامن كالعادة أحد المكاتب التي تعمل في تحويل العملة. ولدى سؤاله كيف يمكن أن أثق بصاحب المكتب أو أن يثق المهرب به؟ قال إن الأمر منظم بشكل جيد، “حين تضع المبلغ لدى المكتب تحصل على شيفرة بمثابة كلمة سر، وهو يسلم المبلغ لمن يذكر كلمة السر” وتابع ساردا تفاصيل العملية “بعد وصولك إلى الدولة المعنية، ألمانيا مثلا تخبر المكتب أن يدفع المبلغ للمهرب المعني الذي يعطيه كلمة السر”. وأضاف يمكن العثور على متعاونين مع المهربين في أومونيا التي لا تزال الوجهة الأولى للمهاجرين واللاجئين في أثينا.
ولدى سؤال المتحدثين عن جنسية المهربين والوسطاء، قالوا إنهم من جنسيات مختلفة، حيث بينهم العراقي والسوري والأفغاني والجزائري والباكستاني وغيرهم. وقال أحدهم، لكن “المعلمين” ويقصد كبار المهربين، “يونانيون” ولكن “لا يمكن أن تصل إلى المعلم مباشرة”.
وفي ألمانيا تحدثت مع رجل في أواسط الخمسينات من العمر وصل قبل أكثر من عامين، أكد رواية هؤلاء الشباب في اليونان وقال بعد ثلاث محاولات فاشلة ببطاقة هوية يونانية بنفس الطريقة التي وصفها هؤلاء، وفي المرة الرابعة نجح مستخدما هوية فرنسية وقد دفع مقابل ذلك 3800 يورو بما فيه تذكرة الطائرة.