المعاملة بالمثل .. هل آن الأوان لفرض التأشيرة على الفرنسيين لدخول المغرب
كثر الحديث عن الإهانات المتكررة للمواطن المغربي الذي يريد الحصول على تأشيرة فرنسا. وارتفعت الأصوات لصون الكرامة واتخاذ قرار المعاملة بالمثل.
بالطبع هناك مصالح بين البلدين و خصوصا في القطاع السياحي والتجاري، و لكن يجب أن لا تتحول هذه المصالح إلى قبول مطلق لقرارات فرنسا ونخبة مغربية مستفيدة ومدافعة عنها.
ليست فرنسا أما لنا لأن الأم لا تستجدي ولا تفرض الحصول على الصفقات لكي تعلن الرضا عنا ولسنا في حاجة إلى رضاك. كثير من أعضاء الطبقة السياسية في فرنسا لا زالت في عمقها مثل جنيرالات سكنت بناية الإقامة العامة منذ 1912 وكثير منهم وجهوا فوهات مدافعهم والقنابل المحمولة على طائراتهم لقتل مئات آلاف من المغاربة خلال الهجوم على بلادنا عند بداية الإستعمار.
صحيح أن لفرنسا أنصار ببلادنا يستفيدون من عدة مزايا، ولكن الصحيح والأكيد هو أن فرنسا تريد المزيد من الصفقات غالية الأسعار ومزيدا من أموال المغرب عبر استيراد الكماليات والتجهيزات ومزيدا من السيطرة على جامعاتنا واستعباد جزء كبير من نخبتنا. لذلك لا يجب أن ينزعج المغربي المواطن العادي من إستعمال فرنسا لخدعة التأشيرة للضغط على بلادنا. الخدعة بسيطة والهدف منها كبير ومعقد.
فرنسا تريد من بلادنا ومن الجزائر وتونس القبول خارج القانون باستقبال من يحملون جنسيتها أو من احتضنتهم و ارتكبوا افعالا يجرمها قانونها وأصبحوا موضوع ترحيل إلى الضفة الأخرى للبحر المتوسط. فرنسا “حقوق الإنسان ” تريد انتهاكها خارج حدودها. وهذا مجرد سبب مباشر.
الأمر أكبر من قبول ترحيل مواطنين ” فرانكو-مغاربة” ويستقي مبرراته الحقيقية من إرادة صلبة ووقحة للضغط على القرار الإقتصادي والمالي لمغرب أصبح له موقع يحرج بعض مصالح فرنسا. وبالطبع لا يمكن انتظار الكثير من نخبة مغربية فرانكوفونية تسبح بإسم قبلة باريس.
كثير من المغاربة غيروا وجهتهم وانفتحوا على دول أخرى لبناء جسور تتبنى مبدأ ” رابح-رابح ” لأنهم فهموا أن المستعمر القديم لا يهمه سوى استمرار نهجه القديم. فرنسا لها أرشيف وتاريخ استعماري وهي السبب في مشاكلنا الأساسية مع الجزائرلأنها هي التي نهبت اراضينا في الصحراء الشرقية لأنها كانت تظن أن بقاءها في الجزائر أبدي وهي التي أوقفت بالمدافع والقنابل هجوم جيش التحرير لاسترجاع الصحراء الجنوبية سنة 1958 خلال مؤامرة اكوفيون.
فرنسا غرست في تربتنا فيروسا يدافع عن مصالحها منذ فجر الاستقلال. كثير ممن احتلوا مراتب عليا في جيشنا غداة استقلالها كانوا في زمرة الانقلابيين في سنتي 1971 و 1972 كما أن من بين من سيروا أو يسيرون الشأن العام لدينا لا زالت لهم صلات عميقة بفرنسا.
ورغم كل ما سبق لم تتخذ فرنسا أي موقف واضح و إيجابي و ملزم قانونيا لدعم موقف بلادنا في مجال وحدتنا الترابية. أرجو أن يفهم أبناء “ماما فرنسا ” أنهم مجرد اقزام وأن ملفات طلباتهم للحصول على التأشيرة قد ترفض نعم لا أخفي بهجتي برفض قنصل فرنسي بدرجة موظف عادي طلب وزير حالي أو سابق لطلب تأشيرة أو مدير عام هللوا بحب فرنسا و قد يكونوا قد خدموا مصالحها.
عشت قبل عقود في فرنسا التي دخلت جامعاتها، واستفدت منكبار اساتذتها و من مكتباتها الكثير، دون تأشيرة وغادرتها دون أي رغبة في الحصول على جنسيتها. حملت حقيبة صغيرة كل ما كانت تحتويه كتبا ووثيقة تدل على درجة علمية. آنذاك كان بعض الفرنسيين الذين كانوا في إدارة الجامعة يريدون تجنيسنا للبقاء في حضن بلادهم. ولكن أغلبية المتخرجين فضلوا الرجوع إلى بلادهم رغم كل الصعوبات الطبقية والبيروقراطية لأن بناء الوطن واجب والإنتماء إليه شرف.
لكل هذا أشعر بشيء من الفرح حين أسمع أن قنصلية فرنسية رفضت منح تأشيرة لأحد من علية القوم. وزراء سابقون ورجال أعمال و أطر عليا كانت تدين بالولاء للخارج و لا تصلي الا في إتجاه برج ايفيل و لا تسبح بخيالها إلا عبر شارع الشانزليزي. نعم فرنسا اليوم لا تعترف بكم لأنكم لا تقدمون خدمات لإقتصادها. الممرض أو الطبيب أو المهندس أهم منكم بكثير لأنهم يعوضون هجرة الكفاءات الفرنسية إلى أمريكا.
أغلب طالبي التأشيرة لهم أبناء في فرنسا أو طالبي علاجات لا تتوفر في العرض الصحي الداخلي أو أصحاب بوليصات تأمين صحي فرنسي أو دولي أو متعودين على الإستماع في فنادق و كباريهات و مصحات تجميل وليسوا كلهم ممن يريدون اكتشاف بلاد فولتير وديدرو وفوكو و موليير ومونتسكيو! ومفاتنها المعمارية.
وللعلم فإن الأمر يتعدى مجرد غلق باب لسبب قانوني. الأمر يتعلق بتجدر ثقافة معاداة الأجنبي التي خلطت الأوراق في فرنسامع سيطرة خطاب معاداة الأجانب ومعتقداتهم. المهم أن هذا الرفض لملفات التأشيرة يجب أن يقابله موقف مغربي مسؤول.
كثير من الشماكرية والمجرمين الفرنسيين وذوى الدخل المحدود يدخلون بلادنا بدون تأشيرة . وهذا دافع لكي نفكر في التعامل بالمثل بكثير من الذكاء و الواقعية. من حقنا أن نختار من يدخل إلى بلادنا و يسكن في الرياضات وقد يتهرب من أداء الضرائب.
أرجو أن تتمكن حكومتنا من حماية سمعة بلادنا وأن تفرض إحترام المواطن على قنصليات فرنسا. الشماكري الفرنسي الذي يجد الترحيب ليس أهم من الخبير المغربي والمواطن المغربي على العموم. و للعلم فرسوم تقديم ملفات التأشيرة تقدر بملايين الاورو وتمكن هذه القنصليات من تغطية كافة تكاليفها من جيوب المغاربة. لقد حان الوقت لإيقاف هذه المهزلة لأن عقلية المستعمر تستمد استمراريتها من قبول حكومتنا للإهانة.
لا أقبل أن يدخل فرنسي لبلادي دون تأشيرة مع تسهيل الحصول عليها حفاظا على انفتاح المغرب على السياح ورجال الأعمال.